0%
Still working...

السقوط الكبير

لـِ Peter Handke

هذه هي اللحظة التي يجب أن أذكر فيها أن الرجل، الذي تُروى قصته هنا، هو ممثّل في الواقع. كان قد تعلّم في حداثة سنّه حرفة والده اليدوية، وكثيرًا ما كان يشارك والده في تركيب البلاط عبر الضواحي صغيرة المنازل في الشمال الغربي من برلين. وكان لا يزال بالإمكان أن يُلاحَظ هذا عليه، وذلك ليس في يديه وحسب، وإنما، وبصورة أشد ربما، في حركاته – في تراجعه المتكرّر إلى الوراء، في مشيه القهقرى، ثم التقدّم إلى الأمام مجددًا –، في نظراته العميقة – في نظرته نحو الأعلى على وجه الخصوص، وذلك بشكل مفاجئ بعد تحديق طويل في الأرض، وفي تضيّق فتحتي عينيه في بعض المشاهد السينمائية، وذلك بلا أيّ مبرّر على الإطلاق ومن دون وضعية جسدية موافقة، ومن دون دلالة مكتسبة، مثلما هي الحال عادة عند أبطال أفلام آخرين. والحق أن هذا كان قد أصبح طبيعته الثانية، أم أنها كانت طبيعته أصلًا، كما يُقال؟

أتُراها قصة ممثّل في يوم واحد، من الصباح حتى ساعة متأخّرة من الليل؟ فضلًا عن أنها قصة ممثّل أثناء تسكّعه، لا أثناء عمله؟ قصة ممثّل بوصفه بطلًا بشكل أو بآخر، وهي قصة جدّية فوق ذلك – ما من أحد أكثر عرضة للمخاطر ولا أشد ثقة بخطواته من ممثّل، من ممثّل مثله. ما من أحد أدّى أدوارًا في الحياة أكثر منه. هو، الممثّل، بوصفه “أنا!”، يجسّد المزيد من قلّة الأنا. فمن دون عمله في التمثيل – أي عندما لا يمثّل –، يكون عاطلًا طوال أيام. لا شك في أن شخصًا كهذا ينطوي على ملمح ملحمي، كما إنه راسخ ومتّزن وواقعي أيضًا. وربما يمكن أن تُروى عنه قصة يكاد يصعد كتابتها عن أحد غيره.

التصنيفات

تاريخ النشر

2019-01-01

سنة النشر

2019

الناشر

سوريا