“نسمات بحرية خفيفة تهبّ على قوس الشاطئ الضيّق، فتتطاير أوراق الدفتر، الذي أدوّن فيه ملاحظاتي: مجرد كلمات؛ إشارات مقتضبة عن انطباعاتي؛ بضع عبارات من حوارات؛ مضمون إجابات عن أسئلة؛ متّكآت للذاكرة تفيدني لاحقًا، عندما أبتعد وأرى ما يمكن أن تجود به الإقامة في بلد أجنبي، بأيامها المتضاربة والمتبدّلة على غرار الطقس، الذي كان حارًا حرارة الصحراء في السهول الممتدّة بين القدس وأريحا، وصقيعيًا على قمم جبل الشيخ”.

ثلاث رحلات قام بها فالتر كاوفمان، مؤلِّف الكتاب، إلى أرض فلسطين، التي أقامت عليها إسرائيل دولتها؛ التقى خلالها بشخصيات عديدة: عرب وإسرائيليين، مسلمين ويهود، رؤساء ومرؤوسين، أغنياء وفقراء، طغاة ومظلومين.. إلخ. عايشهم وعانى تجاربهم المختلفة، التي رسمت في ذهنه خطوطًا عريضة عن هذا البلد، فجمعها بين جنبات هذا الكتاب بأسلوب السيرة الذاتية، محاولًا أن يصل من خلالها إلى إجابات عن أسئلة عديدة، أبرزها: “لو كنت قد سافرت إلى هذا البلد، أو قُذِفت إليه، في عهد الرايخ الألماني، كيف سيكون مصيري في تلك الحالة، وأين كان من شأني أن أوجد الآن؟”.

“كان من العبث أن ألوم نفسي على رحيلي المبكّر. هل كنت أرغب في المزيد إذن؟ ألم يتحقّق الغرض المتوخّى من إقامتي هذه؟ أجل، تحقّق. هذا ما كنت أشعر به على أية حال”.